“هل ترغب في معرفة الحقيقة بغض النظر عن ماقد يكون مختبىء في داخلها؟”

الخادمة

مقدمة ومعلومات عامة

ان كنت تتحدث عن حكاية حب جميلة ، مأساوية وحزينة ، آسرة وكاسرة للقلوب ، فأنت ببساطة تتحدث عن حكاية Fata Morgana.. حكاية جميلة وعاطفية لكنها مليئة بالحقد والكراهية والأحداث المأساوية.. قد تجدني اكرر كلمة “مأساوية” كثيرا في هذه المراجعة لان القصة بالفعل تجسد المعنى الحقيقي لهذه الكلمة ، وربما هذه المرة الاولى التي تسمع فيها عن اللعبة (( او عن الرواية ان صح التعبير )) فـ العاب الروايات المرئية “Visual Novel’ نادرًا ما تحظى على شعبيتها بين اللاعبين حتى ولو كانت مستحقه وانا بدوري لعبت اللعبة عن طريق الصدفة ، او ربما سمعت عنها سابقًا بسبب تقييماتها المرتفعة وانتابك بعض الفضول تجاهها وترغب في معرفة المزيد عنها وعن اذا كانت جديرة بتلك التقاييم ، لذلك في هذه المراجعة سأمنحك نظرة كافية عنها متجنبًا للحرق ونرى ان كانت جديرة فعلاً بحمل تلك الأرقام .

هذه المراجعة للنسخة التي صدرت في 21/4/2021 على جهاز Nintendo Switch والتي تشمل الجزء الثاني واضافات قصصية حصرية في حزمة واحدة ، وسأتحدث عن الجزء الأول فقط

ملاحظة : اللعبة روائية بالكامل بمعنى انها خالية تمامًا من اسلوب اللعب

اين انا؟..

تبدأ القصة عندما تستيقظ في قصر مظلم ومتهالك وشاحب، بلا الوان وبلا اي مصدر للنور وكأنه يغوص في دوامة من الظلام الحالك، وتأتي امامك خادمة يحوم حولها الغموض واحساس الموت والحزن وتخبرك بأنك سيد هذا القصر وانها كانت بأنتظارك لفترة طويلة.. وتقوم بمناداتك بـ “سيدي” لكنك لا تعلم من هي تلك الخادمة! ويتضح بأنك فاقدًا للذاكرة ولا تعلم اين انت وكيف وصلت الى هنا ، بل انك لا تعلم ماهو اسمك ولا هويتك الحقيقية ايضًا! ترفض الخادمة بأخبارك اي شيء وتقرر ان تريك تاريخ هذا القصر وتأخذك الخادمة في جولة داخل هذا القصر المخيف نحو باب تلو الأخر فـ ربما تستعيد هويتك وذكرياتك تدريجيا..ربما.. لكن هل بالفعل تريد استعادتها؟..

ذكريات مأساوية

تلك الأبواب عبارة عن ذكريات لأحداث مأساوية حصلت لمختلف الأشخاص الذي سبق لهم وان سكنوا في هذا القصر والتي عاصرتها تلك الخادمة بنفسها فالقصة باللعبة عبارة عن عدة قصص في قصة واحدة وكل باب من تلك الأبواب يروي قصة مختلفة مع شخصيات مختلفة في حقبة مختلفة ايضًا رغم تواجدهم في الحيز نفسه وهو القصر الغامض ، اختلاف الفترات الزمنية بين تلك الأبواب او القصص كان من اكثر الأشياء التي احببتها باللعبة ويمنح كل قصة جو مختلف ومميز عن الاخر بحسب الحقبة التي تتواجد فيها ويمنحك نظره عن مختلف العادات والتقاليد في افكارهم وافعالهم وطريقة لباسهم في تلك الفترات وتشعر وكأنك اقبلت على لعبة جديدة ، قد تواجه صعوبة في التقدم وقليل من الملل في بداية كل باب وعند الأنتقال من باب الى اخر فـ بداية كل قصة دائمًا بطيئة وتأخذ وقتها لبناء الأحداث وهادئة او كما يقولون “تُطبخ على نار هادئة” لكنها دائمًا تأتي بثمارها وستفرض نفسها عليك تدريجيًا حتى النهاية .

وفي اغلب الأوقات يتم تقديم القصة باللعبة عن طريق الذكريات وسرد لأحداث الماضي داخل تلك الأبواب وتقوم بسردها لك الخادمة وانت مستمعًا ومراقبًا فقط ويمكنك اعتبار الخادمة بأنها راوي القصة ، وبرأيي وجود الخادمة لسرد القصة خدم اللعبة وسردها بشكل كبير.. فمثلا تراها بعض الأحيان تتحدث اليك في منتصف القصة وتشاركك نظرتها ورأيها او تسألك عن نظرتك لما يحصل وعن شعورك تجاه الأحداث ، وقد لاتخبرك بجميع التفاصيل المهمة في القصة الا متأخرًا لأسباب تخدم القصة ، قد يبدو شيئًا بسيطًا لكن تأثيرها على مشاعر اللاعب تجاه تلك القصص كبير فـ حواراتها وطريقة حكايتها للقصة بكونها عاصرت تلك الأحداث بنفسها تزيد القصص تشويقًا ، واسئلتها في منتصف القصة ونهايتها دائمًا مثيرة للأهتمام وربما تجعلك تعيد التفكير النظر في بعض الأحداث .

لعنة؟

تخبرك الخادمة ان هناك شائعات يتم تداولها عن هذا القصر لسنوات.. بل لقرون عديدة! ان هذا القصر ملعون وان كل من يسكن داخل تلك الجدران ستحل عليه لعنة.. ولا احد يعلم من قال اولاً انه ملعون.. ولماذا قالها.. والغموض يتزايد شيئًا فشيئًا فـ مع كل باب اللعبة تترك لك شيئًا يثير فضولك اما حوارات مبهمة او احداث غير مفهومة تترك بحرًا من التساؤلات تجاه القصة واسرارها ، ولايمكنك حتى معرفة الى اين تتجه القصة خاصة عند البدايات.. فالقصة الحقيقية تبدأ فعليًا بعد ساعات طويلة من اللعبة ، وليس بمعنى انها بداية “ممله” لكن يمكنك اعتبار اللعبة بأنها تمتلك نصفين وفي احد جزئيات اللعبة ستصل القصة الى نقطة مفصلية حيث تبدأ تتضح القصة ويبدأ يتضح مجراها وماهيتها.. ويبدأ النصف الأخر الأكثر بشاعة.. وكل مامضى هو اشبه بافتتاحية فقط وبداية لأحد اجمل القصص في عالم الألعاب “بالنسبة لي” وربما اكثرهم تأثيرًا وتلاعبًا بالمشاعر.. حكاية طويلة في غاية الروعة بأحداث مليئة بالبشاعة والجمال في الوقت نفسه ، ستتقلب الأحداث كثيرًا بطريقة تصاعدية وغير متوقعة حتى تصل الى ذروة بشاعتها بأحداث آسره للقلوب

قصة وحشية!

وصدقني.. ان كنت تبحث عن قصة سعيدة فأنصحك بالتراجع فورًا! قصة Fata Morgana ستجعلك تغضب.. وتحقد.. وتبكي.. وستأسر قلبك بأحداث مأساوية ومروعة تصور بها حياتنا بطريقة مؤلمة وقاسية ، وهي ليست متمحورة حول موضوع واحد بل عدة مواضيع بمعاني تلامس قلوبنا ورسائل رائعة ومعبرة حول مشاعرنا الأنسانية وتجارب الحياة وقسوتها وتقدم معها درسًا لا ينسى ، القصة خيالية لكنها انعكاس واقعي لحياتنا وتجسيد لأحداث قد يشهدها المرء في حياته وتلك احد نقاط القوة البارزة في القصة والتي رفعت من مستوى القصة بشكل مبهر ، قد تراها قصة بسيطة وغير مفهومة في بدايتها لكنها تحمل كومة كبيرة من الاسرار والأحداث في اعماقها ويقف خلفها اساس قوي بوزن ثقيل وماضي “BackStory” طويل وعميق بنيت عليهم احداث القصة بأتقان لدعم حبكتها.. وان كنا نتحدث عن حبكة القصة فـ الأحداث دائمًا غير متوقعة وتأتي كـ ضربة قوية مفاجئة في لحظات هادئة ودون ان تدرك الأمر ، ويتم بناء المفاجئات بهدوء تام و لا يمكنك التنبؤ بما هو قادم او حتى الأحساس بان اللعبة تقوم ببناء الاحداث لشيء ما .

لدي تحفظات بسيطة حول بعض الأحداث خاصة عند النهاية ، وبعض الأحداث يتم التسارع فيهم قليلاً بدون تفاصيل كافية او تحدث فجأة وبسرعة لغرض الأنتقال لأحد الأحداث المقبلة بالقصة ، او احداث يتم تجاهلها.. لم تأثر بشكل واضح على مستوى القصة لكن اعتقد لو تم الأهتمام بهم لرفعت من مستوى القصة حتى ولو بشكل بسيط ، وايضًا من الملاحظات الاخرى على اللعبة هي الخيارات المحدودة للغاية.. وربما يمكنني تفهم هذا الأمر بكون ان اغلب الأحداث حدثت في الماضي وانت مراقبًا فقط ولست حاضرًا ، لكن اكثرها كان بدون اي قيمة وتأثير! وان كانت ذو قيمة فهي تنهي اللعبة مباشرة وستحصل على احد النهايات فقط.. كنت ارغب بخيارات تأثر على احداث القصة القادمة وارى عواقبها لاحقًا واشعر بقيمتها حتى ولو كانت قليلة ، لكن بشكل عام لا استطيع التفكير في اي عيوب ملحوظة في القصة.. فهي تقترب الى درجة المثالية!

شخصيات جذابة

لا يمكن ان تكتمل القصة بدون الشخصيات.. وان كانت القصة رائعة فالشخصيات ليست استثناء ، تحتوي اللعبة على شخصيات مميزة وجذابة تم تقديمهم ببراعة مع احداث القصة بدوافع منطقية وواقعية وبناء رائع للجذور الخلفية لشخصياتهم واعماقها، وربما تكره بعض الشخصيات بشدة بسبب افعالهم الا انك تتفهم دوافعهم وكيف تحتمت عليهم ظروف الحياة في فعل ما فعلوا وستصل الى نقطة تتمنى من الشخصيات فقط ان يبذلوا ما لديهم ويصبحوا افضل من ماهم عليه فقد ترى نفسك في داخلهم.. قليلا.. ترميك اللعبة في خصام داخلي وصراع نفسي بمشاعر مختلطة مابين كره وحب تجاه الشخصيات والأحداث سواء .

التصوير & الموسيقى والمؤثرات الصوتية :

اللعبة عبارة عن معرض مليء باللوحات والصور الفنية ، خلفيات اللعبة جميلة للغاية بتفاصيل واقعية وساحرة لافته للانتباه تجعلك تتأملها بين حين واخر ، ومنذ استماعك لموسيقى القائمة الرئيسية ستعلم تمامًا انك مقبل على مقطوعات موسيقية استثنائية وفريدة من نوعها تضيف وزنًا كبيرًا لكل حدث بالقصة وتقوم بأخبارك مايحدث مباشرة من الموسيقى فقط ، فـ مثلا عند استماعك لمقطوعة “Everybody’s Crying” تعلم مباشرة ان هناك شيئًا مأساويًا على وشك الحدوث.. واللعبة تمتلك عدد ضخم من المقطوعات الموسيقية المتنوعة والرائعة وتحتفظ بقيمتها.. وبمعنى اوضح، تجد بعض الأعمال تكرر استعمال احد مقطوعاتها الموسيقية بشكل مبالغ فيه وكأنه اللعبة لا تملك الا هو! وبرأيي الأستعمال المكثف يفقده قيمته وتاثيره على اللاعب مع الوقت ، على عكس Fata Morgana ، على الرغم من امتلاكها للعديد من المقطوعات الموسيقية الا انها متحفظة بهم بشكل كبير وهناك الكثير من المقطوعات التي لاتتكرر الا مرة واحدة طوال اللعبة او مرتين بالكثير! بعض الأحداث تألقت ورسخت بالذاكرة بسبب انها تميزت بموسيقى خاصة فيها ، بالأضافة الى ذلك فـ كل باب في اللعبة يمتلك مقطوعاته الموسيقية الخاصة بحسب الحقبة التي يتواجد فيها .

الأغاني في اللعبة باللغة البرتغالية وربما كان احد الأسباب التي جعلتني اراها “استثنائية” فـ كما قال احد الأصدقاء ربما كان السبب هو تعرضي لثقافة موسيقية جديدة لم يسبق لي سماعها وبالحقيقة مقطوعات اللعبة جعلتني مهتما كثيرًا في الأغاني البرتغالية من شده روعتها ، الا ان بعض المرات يتم استعمال الموسيقى بطريقة خاطئة مع احداث غير ملائمة لها ، مثلا احداث مرعبة متوترة يتم استعمال موسيقى هادئة.. او احداث هادئة بموسيقى مرعبة.. لحسن الحظ انها لم تكن الا لحظات قليلة باللعبة .